تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

لتقديم تعليمٍ جيدٍ عن بُعد، يحتاج المعلمون إلى التدريب والدعم، وليس الاتصال بالإنترنت فحسب.

ترتكز هذه التدوينة على النتائج المستخلصة من استراتيجيات التعلُّم عن بعد وتدريب المعلمين. دروسٌ من منطقة البحر الكاريبي، تقريرٌ نشرَه مؤخراً فريق العمل الخاص المعني بالمعلمين. وهو من تأليف المستشارة آنا سي. كونوفر.


شهد مجال التدريس والتعلُّم عن بُعد توسُّعاً سريعاً في شتى أرجاء العالم مع بدء إغلاق المدارس في عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19. وقد كشفَت هذه النقلة عن تفاوتٍ رقميٍّ شاسعٍ في بلدانٍ كثيرة، حيث أدى عدم الوصول إلى الأجهزة والمحتوى المنشور عبر الإنترنت والاتصال بالإنترنت إلى إعاقة الوصول الشامل. ولا يقلُّ أهميةً عن ذلك ما أبرزتهُ النقلةُ من حاجةٍ إلى توفيرٍ تدريبٍ أكثر وأفضل للمعلمين على المهارات الرقمية والتربوية ذات الصلة.

لكن وعلى الرغم من هذه الحاجة الملحة، لم تشرع وزارات التعليم في بلدانٍ عديدةٍ سوى اليوم في إدخال المهارات والمعايير المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى أطر السياسات المتصلة بالمعلمين. وعلاوةً على ذلك، فإنَّ البرامج التقليدية لتدريب المعلمين لا تغطي بالضرورة المهارات الرقمية والتربوية ذات الصلة بشكلٍ كافٍ في التأهيل الأولي للمعلمين والتعليم المهني المستمر.

يمكن أن يساهم تدريبُ المعلمين في تحسين تجربة المتعلِّمين والمعلمين مع التعلُّم عن بُعد.

استجابةً للطلب على التدريب في مجال التعلُّم عن بعد وإدماج التكنولوجيا في الدول الجزرية الصغيرة النامية في منطقة البحر الكاريبي، أُنشِئ برنامج تدريب المعلمين باسم استراتيجيات التعلُّم عن بُعد وتدريب المعلمين في الدول الجزرية الصغيرة النامية في منطقة البحر الكاريبي بهدف تعزيز قدرات نظُم التعليم الوطنية. وقد تعاونَ على وضعِ البرنامج وتنفيذه ومراقبته كلٌّ من فريق العمل الخاص المعني بالمعلمين، والتحالف العالمي للتعليم التابع لمنظمة اليونسكو، والمركز الكاريبي للتخطيط التربوي (CCEP)، ومنظمة اليونيسف في جامايكا، والوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية.

وانطلاقاً من المشروع التجريبي التطوير المهني للمعلمين للتعلم المختلط والاستراتيجيات عبر الإنترنت في عام 2020، صُمِّم البرنامج بهدف تقوية المهارات الرقمية والتربوية ذات الصلة لدى المعلمين. حيث اتبع نهجاً شمولياً ومراعياً للسياق من أجل تعزيز قدرات المعلمين بما يَضمنُ ألا يُترَك الطلاب الأشدُّ ضعفاً خلف الرَّكب في خلال الأزمة.

وقد هدفَ البرنامج إلى التصدي لتحدياتٍ مثل: كيفية الحفاظ على المشاركة والتفاعل من أجل التعلُّم؛ وكيفية تحويل المحتوى إلى صيغٍ ملائمةٍ للتعلُّم عبر الإنترنت؛ وكيفية التعامل مع المسائل المتعلقة بإدارة المدارس، مثل الحاجة إلى مراعاة ساعات الدوام المدرسي المُعتادة؛ وكيفية العمل مع الطلاب ذوي الاحتياجات المتنوعة. كما ساعد توفير الدعم في هذه المجالات في معالجة مسألة الرفاه النفسي الاجتماعي للمعلمين، لأن الانتقال المفاجئ إلى التدريس عبر الإنترنت أحدث اضطراباً ملحوظاً في الحياة المهنية والشخصية للمعلمين، الأمر الذي عرَّضهم للشعور بعدمِ اليقين وغير ذلك من التحديات الانفعالية.

التصميم الدقيق للمقررات، والمواد القابلة للتكيُّف، والمجتمعات الداعمة من الممارسين، أمورٌ شديدة الأهمية لنجاح التعلُّم عن بعد

كان من أبرز الدروس المُكتسبة من البرنامجِ أهميةُ رفع معاييرِ تصميم المقررات، والمحتوى، والقدرة على التعاون والإيصال. وينبغي أن تتّسمَ المنصات الإلكترونية أو نظُم إدارة التعلُّم بالبساطة وسهولة الاستخدام؛ كما ينبغي أن تتضمن المقررات أشكالاً مختلفة من التفاعل وحلقات التغذية العكسية بين الطالب والمعلم؛ ويجب تخصيص الوقت والمساحة الكافيين من أجل التعاون والتفكُّر والتجريب. وبما أن مشاركة الأهل ضرورية لنجاح التعلُّم عن بُعد، يجب أن يتضمن تصميم المقررات أيضاً توجيهات للأهالي، ووسائل موثوقة تتيح لهم التواصل مع المعلمين.

ويُعدُّ تجهيز المواد اللازمة ومواءمتها للتعلم عبر الإنترنت واحداً من أصعب المهام وأكثرها استنزافاً لوقت المعلمين في أثناء الانتقال إلى التعلم عن بُعد. ولذا يجب أن يشمل تدريب المعلمين إرشاداتٍ بشأن الأدوات التي تسهِّل هذا العمل، مثل "أوراق العمل الحيَّة"، وهي تفاعلية وتدعمُ إجراء التقييم عن بُعد. كما يجب أن تستخدم البرامجُ موادَّ مفتوحة المصدر حيثما أمكن ذلك، أو تصرِّح عن الشروط المتعلقة بالنشر والتأليف عند الحاجة، بما يزيد من إمكانية التوسُّع ويتيح للمعلمين إعادة استخدام المواد.

ثمَّن المعلمون الذين شاركوا في برنامج تدريب المعلمين بصفة خاصة فرصةَ الانتماء إلى مجتمع الممارسين، الأمر الذي أتاح لهم التواصل مع خبراءَ في مجال التعليم عن بُعد ومعلمين آخرين في أوضاعٍ مشابهةٍ لأوضاعهم ضمن بلدهم ومنطقتهم. وقد ساعد هذا الشعور بالانتماء إلى شبكةٍ داعمة، فضلاً عن المهارات الجديدة التي اكتسبوها، في رفع ثقتهم الشخصية والمهنية عند تطبيقهم التقنيات الرقمية والمهارات المكتسبة ضمن صفوفهم الدراسية.

ينبغي لتدريب المعلمين في مجال التعليم عن بُعد أن يهيِّئ المعلمين لخلق بيئاتٍ تعلُّمية شمولية عبر الإنترنت

يجب أن يكون ضمانُ شمولية التعليم من أولويات التعلُّم عن بُعد. وعلى الرغم من أن هذا النوع من التعليم قد يحدُّ من التفاعل بين المعلمين والطلاب (مثلاً بسبب تقليل فرص التواصل العفوي والتلميحات الإيمائية)، فهو يوفِّر بالمقابل فرصاً لتعزيز الشمولية. ويُعتبر تصميم المقررات بطريقة تسهِّل وصول ذوي الإعاقة أمراً أساسياً لخلق بيئات تعلُّمٍ شمولية. على سبيل المثال، من أجل تلبية احتياجات المتعلمين ذوي الإعاقة، يجب توفير مجموعةٍ متنوعةٍ من الوسائل أمام المشاركين ليحصلوا على المواد ويشاركوا في المقررات. ويمكن أن يشمل ذلك توفير خيارات غير متزامنة* ومتزامنة* للنقاش، والتوصيل المتعدد الوسائط (مرئي وسمعي ونصِّي) للمحتوى، ومحتوىً قابلاً للتنزيل بالإضافة إلى البث المباشر للمحتوى.

وفي السياقات المتعددة اللغات، من الأساسي أيضاً التكيُّف مع الاحتياجات اللغوية للمعلمين. ففي برنامج الدول الجزرية الصغيرة النامية، كان محتوى الدورة التدريبية متوفراً باللغتين الفرنسية والإنجليزية فقط في معظم الأحيان. لكن ومن أجل أن يُتاح للمشاركين إجراء النقاشات باللغة المفضلة لديهم، سمح ميسِّرو المقررات التدريسية للمشاركين بتشكيل مجموعات فرعية عبر الإنترنت بحيث تستخدم لغاتٍ أخرى.

المرونة من أهم سمات التخطيط لتدريب المعلمين

ينبغي أن يتسم تدريب المعلمين في مجال التعليم عن بُعد بالمرونة، فللمعلمين احتياجاتٌ متضاربة، وأحياناً غير متوقعة، لوقتهم. ينبغي تعديل محتوى الدورة التدريبية وسرعتها والفروض المتصلة بها طوال فترة الدورة التدريبية تبعاً لتغيُّر احتياجات المشاركين. ولهذا أهميةٌ خاصةٌ خلال الأوضاع الطارئة. من أجل تحقيق الصِّدق في الاعتماد والتحفيز المستمر للمعلمين، يمكن تكييف الدورات التدريبية بما يتناسب مع القيود الزمنية لدى المعلمين من خلال توفير مستويات مختلفة من الشهادات والاعتمادات المصغَّرة الخاصة بمهارات محددة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

التخطيط الدقيق المراعي للتقويم المدرسي ومتطلبات وصول المعلمين، بالإضافة إلى الحملات الإعلامية الجيدة، أمورٌ أساسيةٌ لضمان نجاح المشاركة والمواظبة على الحضور في برامج تدريب المعلمين. يجب أن يتسم التسجيل بالسهولة والخلوِّ من العوائق، وأن يتوفر بشكلٍ مباشر عبر الإنترنت. بصورةٍ عامة، يجب ألا يُحدَّد موعد تدريب المعلمين في بداية السنة الدراسية أو نهايتها حين يكون المعلمون في أوجِ انشغالهم، أو خلال العطلات الصيفية الطويلة حين يكون الكثير من المعلمين غير متاحين.

علاقات الشراكة هامة من أجل وضع برامج تدريب المعلمين في مجال التعليم عن بُعد

لعلاقات الشراكة أهمية خاصة في توفير التعليم عن بُعد، لأنه يتطلب الكثير من الخبرات والموارد، بما فيها الأجهزة المُكلِّفة، والاتصال غير المتقطع بالإنترنت، وبرمجيات تعليمية، ومصادر تعليمية مفتوحة، وخبرات تربوية وتنظيمية. وبما أن الاتصال بالإنترنت وتوفر الأجهزة غالباً ما يمثلان عائقاً في التعليم عبر الإنترنت، يجب على الحكومات والأطراف المعنية إنشاء علاقات شراكة مع الشركات التكنولوجية ومقدِّمي خدمة الإنترنت من أجل التوصُّل إلى الحلول، مع ضمان الحفاظ على أمن البيانات وخصوصية المشاركين.

لقد أثبتت التقنيات التعليمية فائدتها في ضمان استمرارية التعليم في الأوضاع الطارئة. وكما يتبيّن يوماً بعد يوم في جميع المجتمعات، تُعتبر تلك التقنيات أيضاً من الأدوات الأساسية اللازمة للمساهمة في عالمنا المعاصر بشكلٍ كامل. إلا أن الاستثمار في هذه التقنيات لن يُثمرَ عن النتائج المطلوبة ما لم نستثمر أيضاً في تنمية مهارات المعلمين الرقمية والتربوية ذات الصِّلة. ولذلك يجب رسمُ تصوُّرٍ جديدٍ لتعليم المعلمين الأولي وفي أثناء خدمتهم بحيث يشمل هذه المهارات والتقنيات. ونظراً لخبرتهم المباشرة في التعامل مع التحديات والفرص المرتبطة بالتعلم عن بُعد، ينبغي إشراكُ المعلمين في تصميمِ التعلُّم عن بُعد وإدماج التكنولوجيا، وتنفيذها ومراقبتها. وبهذه الطريقة ينبغي وضعهم بشكلٍ فعالٍ في صميم تحقيق تحوُّل في التعليم على نطاق أوسع.

المسرد 

*التعلُّم غير المتزامن عبر الإنترنت:  التعليم والتعلُّم عبر الإنترنت في وقتٍ مختلفٍ عن وقتِ قيام المعلم بالتدريس.

* التعلُّم المتزامن عبر الإنترنت: التعليم والتعلُّم عبر الإنترنت في الوقت نفسه، لكن ليس في المكان نفسه الذي يوجدُ فيه المعلمون و/أو المتعلمون الآخرون.

مصدر الصورة: أبير روي بارمان/Shutterstock.com