تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

لمعالجة نقص المعلمين في سياقات الأزمات، يجب علينا حماية المعلّمين من الهجمات

كريس هندرسون، معهد جنيف للدراسات العليا وشبكة السياسات الدولية والتعاون الدولي بشأن التعليم والتدريب.


يتعرّض المعلمون في سياقات الأزمات والطوارئ لاعتداءات متواترة أثناء قيامهم بعملهم الأساسي، ما يهدّد الشعور القوي بالمرونة والهدف والرفاه لدى عدد كبير من المعلّمين.

وللأسف، لا يزال عدد كبير جداً من المعلمين في جميع أنحاء العالم معرضين للخطر. إذ أفادت التقارير الواردة منذ 24 شباط/فبراير 2022 أن تعرّض أكثر من 3500 مؤسسة تعليمية لأضرار أو للتدمير بسبب القصف الجوي والمدفعي في أوكرانيا، وفقاً لوزارة التعليم والعلوم في البلاد؛ كما تشير تقارير أخرى إلى هجمات على المعلّمين أنفسهم (التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات، 2023).

ويتابع معهد اليونسكو للإحصاء البيانات المتعلقة بعدد الهجمات التي تطال الطلاب والموظفين والمؤسسات التي تمثل هدف التنمية المستدامة 4.أ.3 بهدف رصد الأزمات على مستوى العالم. وهناك حالياً بيانات متاحة بشأن 101 بلد بين عامي 2013 و2021. وتبين الصورة 1 الدول الخمس التي شهدت أكبر عدد من الهجمات على الطلاب والموظفين والمؤسسات. ففي عام 2021، واجه المعلمون أعلى مستويات الخطر في ميانمار حيث وقع 426 هجوماً. وشهدت دولة فلسطين 371 هجوماً، وعانت جمهورية الكونغو الديمقراطية من 302 هجوماً، وشهدت كلّ من أفغانستان وبوركينا فاسو ومالي أكثر من 100 هجوم. وكما يتبيّن من الصورة 1، فإنّ عدد الهجمات في ميانمار ودولة فلسطين آخذ في الارتفاع بوتيرة سريعة، ما يعني أن المخاطر التي يواجهها المعلمون كلّ يوم آخذة في الارتفاع أيضاً.

عدد الهجمات على الطلاب والموظفين والمؤسسات، 2013 – 2021

GraphAttacksAR
المصدر: معهد اليونسكو للإحصاء، 2023.

المعلمون محرومون من السلامة والكرامة اللتين يستحقونهما

يتعرّض المعلّمون، في بعض السياقات، للتهديد أو الاختطاف أو القتل لأنهم يمثلون الدولة أو بسبب عضويتهم في نقابات المعلّمين. كما يعاني المعلّمون من العنف الجنسي أثناء الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة على المدارس أو بعدها. وفي صراعات أخرى، يُقتَل المعلّمون أو يُصابون بأسلحة متفجرة وهم في طريقهم للذهاب للمدرسة أو للعودة منها أو في اشتباكات عنيفة بين الجماعات المسلحة.

وحيثما تُستخدم المدارس والجامعات كقواعد وثكنات، يمكن استهداف هذه المرافق من خلال ضربات جوية أو هجمات برية معارضة، ما يعرّض المعلمين أيضاً لخطر كبير. وتضاعفت حوادث الاستخدام العسكري للمدارس والجامعات بين عامي 2020 و2021 على الصعيد العالمي.

المعلّمون مستهدفون في العديد من الأماكن

تُعدّ تأثيرات هذه الأوضاع على المعلّمين وعلى الأطفال والمراهقين الذين يدرّسونهم عميقة. فعلى سبيل المثال، أفاد المعلمون في كولومبيا، التي شهدت 83 هجوماً في عام 2021 (معهد اليونسكو للإحصاء، 2023)، أنّ التهديدات وأعمال العنف تفضي إلى تغيير في جودة ممارساتهم التعليمية. كما أفاد بعض المعلّمين أن العنف يمسّ من شعورهم بالثقة وصدق التزامهم تجاه التلاميذ وأسرهم. كما بيّن بعض المعلمين أنّهم يتجنّبون تدريس مواد معينة بسبب العنف الذي يمكن أن يسبّبه التاريخ الذي تقرّه الدولة.

كما تمّ استهداف بعض المعلّمين الذين يشاركون بنشاط في جهود بناء السلام للحد من تجنيد تلاميذهم في القوات المسلحة من قبل الجماعات شبه العسكرية. ففي مجتمع إل سالادو في كولومبيا، على سبيل المثال، تلقّى جميع المعلمين الخمسة والعشرين الذين يعملون في مدرسة واحدة رسائل من مجموعة شبه عسكرية تهدّد باستخدام العنف الشديد ضدّ المعلمين أنفسهم. ولا تُعتبر مثل هذه الحوادث معزولة.

وفي أفغانستان، أين عادت حركة طالبان للصعود، وردت تقارير عن تعرض العديد من قادة التعليم للتهديد أو الاعتقال أو القتل بسبب ترويجهم لتعليم الفتيات. وفي أماكن أخرى، يعارض المتطرفون المسلحون، مثل بوكو حرام في نيجيريا، التعليم الغربي النـزعة، وقاموا بتهديد أو قتل أو اختطاف المعلّمين لمنعهم من تدريس المناهج الوطنية (التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات، 2022). ويقول المعلّمون أنّ معنوياتهم تتأثر بشدة نتيجة الهجمات التي تطال زملاءهم، في ظلّ انعدام الأمن اليومي الذي يعانون منه ما يجعل التدريس شبه مستحيل.

ويصف التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات كيف تقوم قوات المقاومة باستهداف المعلمين وتجنيدهم قسراً في سوريا. أمّا في ميانمار، تمّ استهداف المعلمين الموالين لحكومة الوحدة الوطنية المقاومة، التي تعارض الحكومة الحالية. وتمّ اختطاف وقتل أكثر من 40 معلماً في عام 2021 وحده.

للعنف تأثير سلبي على توظيف المعلمين والاحتفاظ بهم

وبيّنت دراسة رينغ وويست (2015) كيف تقلّل الصدمة الناجمة عن الصراع العنيف والنزوح القسري من قدرة المعلمين على أداء أدوارهم. وبينما يواجه المعلمون ضغوطات معقدة في حياتهم الخاصة، تجعلهم الفصول الدراسية المكتظة بالأطفال والمراهقين المتأثرين بالصراع، والذين يحتاجون إلى دعم نفسي اجتماعي واجتماعي وعاطفي مكثف، يشعرون بعدم الاستعداد والإرهاق. وهذا يقلّل من شعور المعلمين بالنجاعة الذاتية، وهو الاعتقاد بأنّ لأفعالهم تأثير على النتائج، والذي يعدّ مؤشراً رئيسياً لتحفيز المعلمين للتدريس. باختصار، يؤثّر العنف والصدمات على استنزاف المعلمين ويؤدي إلى تفاقم النقص المسجّل في أعدادهم حيثما تشتد الحاجة إليهم.

في جمهورية الكونغو الديمقراطية، قدّمت دراسة وولف وآخرون (2014) تقريراً عن آثار ضعف رفاه المعلمين على جودة نظام التعليم. وباعتبارها من أولى الدراسات التجريبية الرامية إلى وضع تصوّر لرفاه المعلمين وقياسه في سياق الأزمات، تعتمد الدراسة مفهوم "المخاطر التراكمية" لوصف الظروف السلبية والضغوطات العديدة التي تؤثّر على عمل المعلمين ورفاههم. وتُظهر الدراسة وجود علاقة سلبية ذات دلالة إحصائية بين المخاطر التراكمية وتحفيز المعلمين للتدريس، ما يعني أنّه كلّما زادت المخاطر التي يواجهها المعلّمون في عملهم، كلّما قلّت دوافعهم للبقاء في مهنة التدريس.

وبشكل مماثل، تُظهر النتائج التي توصلت إليها الدراسة وجود علاقة هامة وإيجابية بين المخاطر التراكمية والإرهاق، حيث كلّما زاد تعرض المعلّمين للمخاطر، كلّما ارتفع احتمال الإبلاغ عن الإرهاق. وبالتالي، يجب أن يكون رفاه المعلمين وإعطاء الأولوية لحماية المعلمين في طليعة السياسات والتمويلات التي تركّز على توظيفهم والاحتفاظ بهم حتّى يتمكّن المعلمون من العمل بأقصى قدراتهم بمنأى عن الأذى الجسدي والنفسي.

علينا أن نعمل الآن على زيادة جاذبية المهنة

تُبيّن هذه الدراسات، من بين دراسات أخرى، وجود أزمة داخل الأزمة. ففي السياقات التي تكون فيها المدارس والمعلّمون عرضة للهجوم وفي ظلّ غياب أجور ملائمة وعدم وجود دعم نفسي اجتماعي وضعف التطوير المهني، ما يؤدي إلى تفاقم العنف الذي يواجهه المعلمون، يُنظر إلى مهنة التعليم كخطر في حد ذاته. وتجسيماً لهذا الواقع، يرغب 18% فقط من المعلّمين اللاجئين في مخيم داداب للاجئين في كينيا في التدريس على مدى ثلاث سنوات، بينما يطمح 4% فقط من المعلمين في المجتمع المضيف إلى نفس الشيء.

يؤدي فشلنا في حماية المعلمين من الهجمات إلى تفاقم النقص العالمي في المعلمين. ويقوّض جاذبية المهنة ويجبر الكثيرين على التخلي عن أدوارهم. ومع اقتراب اليوم العالمي للمعلمين[1]، الموافق لـ5 تشرين الأول/أكتوبر، يجب أن تُعطي جهود المناصرة التي نبذلها للتعليم الجيّد في سياقات الأزمات الأولوية لحق المعلمين الإنساني الأساسي في بيئة عمل آمنة وصحية وفي المكانة والكرامة التي ينبغي توفيرهما لجميع أعضاء المهنة. 

روابط مفيدة:

الصور: Nan Maw Maw Kyi. معلّم. ميانمار. © UNICEF/UN061811/Brown